سورة الأعراف - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {لا يَفْتِنَنَّكُمُ} أي لا يصرفنكم الشيطان عن الدين، كما فتن أبويكم بالإخراج من الجنة. أب للمذكر، وأبة للمؤنث. فعلى هذا قيل: أبوان {ينزع عنهما لباسهما} في موضع نصب على الحال. ويكون مستأنفا فيوقف على {مِنَ الْجَنَّةِ}. {لِيُرِيَهُما} نصب بلام كي. {إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ} الأصل يرءاكم ثم خففت الهمزة. وقبيله عطف على المضمر وهو توكيد ليحسن العطف كقوله: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} وهذا يدل على أنه يقبح رأيتك وعمرو، وأن المضمر كالمظهر وفي هذا أيضا دليل على وجوب ستر العورة، لقوله: {يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما}. قال الآخرون: إنما فيه التحذير من زوال النعمة، كما نزل بآدم. هذا أن لو ثبت أن شرع آدم يلزمنا، والأمر بخلاف ذلك.
الثانية: قوله تعالى: {إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ} {قبيله} جنوده. قال مجاهد: يعني الجن والشياطين. ابن زيد: {قَبِيلُهُ} نسله.
وقيل: جيله. من حيث لا ترونهم قال بعض العلماء: في هذا دليل على أن الجن لا يرون، لقوله: {مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} قيل: جائز أن يروا، لأن الله تعالى إذا أراد أن يريهم كشف أجسامهم حتى ترى. قال النحاس: {مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} يدل على أن الجن لا يرون إلا في وقت نبي، ليكون ذلك دلالة على نبوته، لأن الله جل وعز خلقهم خلقا لا يرون فيه، وإنما يرون إذا نقلوا عن صورهم. وذلك من المعجزات التي لا تكون إلا في وقت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. قال القشيري: أجرى الله العادة بأن بني آدم لا يرون الشياطين اليوم.
وفي الخبر: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم».
وقال تعالى: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}.
وقال عليه السلام: «إن للملك لمة وللشيطان لمة- أي بالقلب- فأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق وأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق». وقد تقدم في البقرة. وقد جاء في رؤيتهم أخبار صحيحة. وقد خرج البخاري عن أبي هريرة قال: وكلني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحفظ زكاة رمضان، وذكر قصة طويلة، ذكر فيها أنه أخذ الجني الذي كان يأخذ التمر، وأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: «ما فعل أسيرك البارحة».
وفي صحيح مسلم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «والله لولا دعوة أخي سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة»- في العفريت الذي تفلت عليه. وسيأتي في ص إن شاء الله تعالى. {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} أي زيادة في عقوبتهم وسوينا بينهم في الذهاب عن الحق.


{وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (28)}
الفاحشة هنا في قول كثر المفسرين طوافهم بالبيت عراة.
وقال الحسن: هي الشرك والكفر. واحتجوا على ذلك بتقليدهم أسلافهم، وبأن الله أمرهم بها.
وقال الحسن: {وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها} قالوا: لو كره الله ما نحن عليه لنقلنا عنه. {قل إن الله لا يأمر بالفحشاء} بين أنهم متحكمون، ولا دليل لهم على أن الله أمرهم بما ادعوا. وقد مضى ذم التقليد وذم كثير من جهالاتهم. وهذا منها.


{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)}
قوله تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} قال ابن عباس: لا إله إلا الله.
وقيل: القسط العدل، أي أمر: العدل فأطيعوه. ففي الكلام حذف. {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ} أي توجهوا إليه في كل صلاة إلى القبلة. {عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أي في أي مسجد كنتم. {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ} الدين أي وحدوه ولا تشركوا به. {كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} نظيره {وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} وقد تقدم. والكاف في موضع نصب، أي تعودون كما بدأكم، أي كما خلقكم أول مرة يعيدكم.
وقال الزجاج: هو متعلق بما قبله. أي ومنها تخرجون كما بدأكم تعودون. {فَرِيقاً هَدى} {فَرِيقاً} نصب على الحال من المضمر في {تَعُودُونَ} أي تعودون فريقين: سعداء، وأشقياء. يقوي هذا قراءة أبي {تعودون فريقين فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة}، عن الكسائي.
وقال محمد بن كعب القرظي في قوله تعالى: {فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} قال: من ابتدأ الله خلقه للضلالة صيره إلى الضلالة، وإن عمل بأعمال الهدى. ومن ابتدأ الله خلقه على الهدى صيره إلى الهدى، وإن عمل بأعمال الضلالة. ابتدأ الله خلق إبليس على الضلالة، وعمل بأعمال السعادة مع الملائكة، ثم رده الله إلى ما ابتدأ عليه خلقه. قال: {وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ} وفي هذا رد واضح على القدرية ومن تابعهم.
وقيل: {فَرِيقاً} نصب ب {هَدى}، {وَفَرِيقاً} الثاني نصب بإضمار فعل، أي وأضل فريقا. وأنشد سيبويه:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا *** أملك رأس البعير إن نفرا
والذئب أخشاه إن مررت به *** وحدي وأخشى الرياح والمطرا
قال الفراء: ولو كان مرفوعا لجاز. {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} وقرأ عيسى بن عمر: {أنهم} بالهمزة، يعني لأنهم.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10